يدين العرش المغربي في استمراره و استقراره لفرنسا. و من دونها ما كان احتلاله للصحراء الغربية ان يدوم كل هذه المدة . والحقيقة ان العلاقة التي تربط باريس بالرباط سببها ليس المصالح وفقط كسائر البلدان ومثلما تقتضيه بديهيات السياسة، انما سبب قوتها عائد بالاساس الى العلاقات الخاصة جدا بين النخب الفرنسية و المخزن . فقد استطاع المخزن لخصوصية الحكم في فرنسا ان يصنع لوبي موالي له من خلال شراء الذمم والرشاوي. ومعلوم ان السياسيين الفرنسيين لا يتعرضون للضغوط الاعلامية كنظرائهم في الولايات المتحدة، بريطانيا او بلدان شمال اوروربا . وبالتالي نادرا ما يفتش وراء فسادهم او سبب ثرائهم. من هنا تسلل المغرب الى قرار باريس كاي دولة عالمثالثية .
يبدوا من خطاب ملك المغرب البارحة ان شيء ما تغير او على وشك التغيير. فالنبرة شاكية معاتبة حتى وان حاول ان تبدوا حادة. فقد تعمد ان يسمي الدول الاوروبية التي تؤيد ما يسميه مبادرة الحكم الذاتي واسقط منها فرنسا.
فرنسا الان تراجع سياستها ـ وفقا لمصالحها دون شك ـ مصالح الدولة لا النخبة. فافريقيا تشهد تغييرات جذرية، وبدأت تتحرر من الفلك الفرنسي، وعصر الموارد الافريقية المتاحة بالمجان، بدأ بالافول. اضافة الى مايشهده الاقتصاد العالمي من جوائح وحروب وهزات جيوسياسية. وازمة الطاقة الحادة وغير المنتهية في المنظور المتوسط على اقل تقدير.
الجزائر ايضا غيرت سياستها لم تعد تقبل ان تظل سوقا لفرنسا دون استثمار حقيقي مربح للطرفين. لم تعد تقبل من باريس هذه المعاملة التفضيلية للمغرب ـ مهما كانت الاسباب ـ رغم ان المصالح الفرنسية في الجزائر ومع الجزائر هي اكثر بكثير منها مع المغرب. وعليه فالنظر الى انشغالات الجزائر والرباط يجب ان يكون متساويا.
الازمة بين الرباط وباريس في بداياتها ومن المبكر التكهن بالمآلات . لكن الاثر يبدوا مؤلما ومؤثرا لدرجة ان يتصدر خطاب الملك بمناسبة ما يسمى ثورة الملك والشعب . التي هي بالمناسبة اخراج فرنسي من اجل استمرار المخزن وقد كان ما ارادت. قد لا تحمل زيارة ماكرون للجزائر الخميس المقبل مفاجأة او تشكل انعطافة جوهرية على صعيد العلاقة بين باريس والجزائر والرباط. لكنها ايضا ستكون بمثابة نقطة والى السطر في العلاقة الاشكالية بين العواصم الثلاث. وحتما ستشكل حلحلة في الملف الصحراوي على الاقل في ترك الشرعية الدولية تأخذ مجراها . والمغرب يعرف جيدا معنى ونتيجة ان ترفع فرنسا يدها عن الملف. لذا كان الخطاب البارحة خطاب رجاء بالتأني واعادة النظر . وكان كشفا لعمق الازمة لم يعد بالمقدور ستره لعل تتحرك بيادقه داخل النخبة الفرنسية لتحمي مصالحها من خلال حماية مصلحة المخزن.
سلامة حمدي كاتب صحفي